Monday, June 19, 2006

نفق بين حفرتين

طفلٌ صغير علي شاطيء ، يحب أن يعبث في الرمال ، الأطفال في هذا السن يهابون المياه ويفضلون الرمل ، تحت الشمسية المجاورة طفلة صغيرة تعبث هي الأخري بالرمال ، وبعض القطع البلاستيكية ، لا أحد يدري كيف تسلل الطفل إلي الشمسية المجاورة ، ولا كيف أقنع الفتاة بأن يلعبا سوياً ، ربما حديثاً دار من نوعية "يعني انا بالعب لوحدي وانتي هنا بتلعبي لوحدك ، ايه النظام؟ " ، وربما نظرت له الفتاة نظرة تحمل معني " سم..... " ، ربما كان الطفل أكثر جرأة ولم يرتدع وأصر علي موقفه " طب ايه رأيك كل واحد فينا يحفر حفرة ونعمل بينهم نفق ونسلم علي بعض؟ " ، أعتقد أنه لم يكن نوعاً من التحايل من قِبَل الطفل لكي يلمس يد الفتاة ، فهذا قد يشوه الصورة البريئة لمجرد لعبة طفلين علي شاطيء ، كما أن نظرة الانتصار التي لمعت في عيونهما حين سلّما علي بعضهما تحت الحاجز الرملي تدل علي أنه لم يكن سوي تساؤل بسيط دار في عقليهما " هل سنقدر أن نصنع نفقاً يصل بين حفرتين أم لا؟
----------------
بير مسعود
يلقي به الواقفون بما تجود به جيوبهم من القروش القليلة وهذا تقريبا لتحقيق خرافة قديمة لا أعرف نصها ، فالناس عموما لا تلقي بنقودها في مياه بئر إلا تصديقا لخرافة ما ، هناك بعض المتحمسين اللذين ينزلون البئر لجمع ما ألقي الناس ، كما أن بين البئر وبين البحر نفقٌ صخري صغير يعبره النازلون ليخرجون في البحر وفي أعينهم نظرة انتصار تشبه تماما تلك التي كانت تلمع في عيون الطفلين حين صنعا نفقا بين حفرتين
----------------
بير مسعود
إذا أردنا أن نضفي عليه بعض الشاعرية سوف نقول أنه يمثل دنيا صغيرة بحوافه الصخرية وعيون المحدقين داخله ، وإذا أردنا إكمال المشهد الشاعري فسوف نصف البحر بالعالم الأكبر ، الدنيا الكبيرة التي ينفتح عليها الخلق ، الدنيا بكل ما تحمل من مجهول
ملحوظة
بير مسعود الان تم تجديد المنطقة التي حوله باضافة بعض الكتل الصخرية الجامدة والكافتريات المزدحمة في شهور الصيف ولا أعرف هل مازال المتحمسون ينزلون أم لا وهل هناك مهتمون به أصلا أم لا
لكن لأن القارئين هنا قد تزعجهم النظرات الشاعرية لأمور بسيطة مثل بير مسعود أو مقهي "أنح" في راس التين أو حتي ليل الاسكندرية في شتاء أكثر حزنا ، لذا فنستطيع ببعض التجريد "والسخافة إن شئنا الدقة" أن نقرر أن صنع النفق تحت الحاجز الرملي الصغير لم يكن مجرد لعبة طفلين علي شاطيء وإنما هو أسلوب يتبعه الكثيرون لملامسة أشياء قد لا تُلمس أبدا ، وأيضا نستطيع أن نقول أن الطفل الصغير كان بالفعل يتحايل للمس يد الفتاة بما أن " رجال الاسكندرية وسخين بطبعهم" كما ينظر إليهم البعض ، وأن حريق المكتبة القديمة وحريق مستشفي الشاطبي للأطفال فعلين متلامسين عبر نفق زمني محدد بدقة التاريخ ، علي اعتبار أن المكتبة والمستشفي هما حفرتين صغيرتين متجاورتين ، وأن مقهي "هندي" تقع أيضا في نفق غير مرئي "أو مجازي" يصل بين عالم المتكلمين بزحام المنشية الذي لا يهدأ ، وبين عالم " الخرَس" التام ، وأن اللغة التي أحاول أن تبدو منطقية الآن وبين لا منطقية ما أقول هناك نفق بينهما من الرغبة في الحكي الغير مبرر ، وهكذا
-----------
فلنعد إلي منطقية الحدث البسيط ، طفلٌ صغير وفتاة لا يتجاوز عمرها العاشرة يعبثان بالرمل ، شابٌ يجلس قبالة المراكب في راس التين ويتمني الذهاب للجهة المقابلة من البحر ، متحمس يهبط في بير مسعود (الدنيا الصغيرة)ويمر سابحاً تحت الصخور ليعبر إلي البحر (الدنيا الكبيرة) ، مجموعة من الأصدقاء يجلسون في مقهي " هندي" يتحدثون بصوت عالٍ ويضحكون ، حريق في حضانات مستشفي الشاطبي يموت فيها عدد من الأطفال محترقين والبعض مات بفعل غازات الإطفاء -ولا داعي هنا لإبراز المفارقة - ، شخصٌ يحاول أن يربط بعض الأحداث البسيطة جاهداً في أن تبدو منطقية لكنه غير قادر علي التركيز الكامل لكي يبدو منطقيا تماما ، هذا الشخص بالذات الذي إلي الآن وبعد تجاوز عمره حداً معقولاً ، حين يجلس علي الشاطيء يحفر حفرتين صغيرتين لكنه ينسي أن يصنع بينهما نفقاً يعبر به إلي الجهة المقابلة من البحر

Posted by Pianist at 4:59 AM 16 comments