Tuesday, February 26, 2008

من مدينة الألوان إلى مدينة الفتن والعجائز


يهجم الطوفان.. متسلحاً بآيات قرآنية وأحاديث شريفة يأتي مستخدماً سلطة الله التي لم يمنحها لأحد..رغم أن الله يحب الإسكندرية.. فكيف يمنحها الألوان والتعددية والزرقة والعشاق.. ثم يأتي من يريد سلبها كل هذا.. وحصارها في لغة الأبيض والأسود..
كانت الإسكندرية للكل.. الأجنبي والصعيدي.. الأرزقية والصعاليك.. العابرين والمهاجرين.. الصالحين والعصاة.. ما سطر علي حبين الإسكندرية.. هو أن الحياة للجميع.. ما تثبته الإسكندرية هو أن التعايش جائز.. فلكل منا أفكاره..وحدها بإمكانها تقبلك واحتواؤكهي تشترط شرطين: أن تقع في غرامها وألا تحاول امتلاكها.. هكذا خلقها الله

"يحكى أن"
الإسكندرية لم تكن أرضاً.. كانت فاصلاً بين جنتين إحداهما للإنس والأخري للجن..كانوا يشاهدون بعضهم البعض من بعيد.. كل في جنته.. حتي عشق الإنسي واحدة من بنات الجن..وفي يوم مر ملاك مجروح.. رأي غربة كل منهما عن الآخر.. فحاك من ريشه أرضاً توصل بين الجنتين.. فاختلط إنس الدنيا بجنها..ومن يومها.. والإسكندرية تفتح قلبها لكل شيء..ومن يومها.. وابنها متحد بالعالم.. مفتوح عليه..

"مفتاح المدينة "

الإسكندرية.. تفقد أسلحتها يوماً بعد آخر..يخلعون فضاءها الواسع لصالح هواء راكدوأفق أضيق من ثقب إبرة.. فما الذي تنتظره من بلد فقد مسارحه..فمسرح نجيب الريحاني تحول إلي مقهي، ومسرحها القومي تحول إلي صالة أفراح..بينما استولي رجل أعمال علي مسرح إسماعيل ياسين وحوله إلي برج سكني ودار عرض تحمل اسمه اسمه هو لااسم إسماعيل ياسين!!أما الأدباء المسيطرون علي ساحة الثقافة هناك.. فلا يزالون واقعين في غرام المعلقات وثنائية شوقي وحافظ أو صورة الأديب المتشرد الذي يحمل زجاجة بيرة في يمينه وامرأة في شماله -في الغالب يقول الزجل في الأمسيات الشعرية- ولا يستحم!!أما الموهوبون.. فيمارسون أحلامهم في مقاه أخري.. يصنعون هواءً نظيفاً بعيداً عن مدارات المدينة الرسمية..يحاربون سلفا يمتلكون لحي.. وسلفيين بلا لحي ولكنهم يقرضون الشعر ويفتح من أجلهم مسرح المدينة!!
"مشهد"

ولد وبنت بأحد كافيهات ستانلي.. هو صامت وهي تبكي.. وبينهما شريط كاسيت لأحد الدعاة يتحدث عن الارتباط.. مساحة هائلة من الشك والصمت تفصل بينهما..صار الحرام شاسعاً بما يكفي.. اتسع ليشمل فكرة اللقاء نفسها دفع الولد حسابه.. ثم افترق كل منهما في طريق.. في حين كان الحرام يسير كوحش ضخم مبتلعاً كل شيء!!

«البلاي ستيشن.. حلال»

الشيخ ياسر.. واحد من شيوخ المدينة.. أفتي بتحريم المشاركة في صناعة التلفاز ولو بطلائه..وجواز لعب البلاي ستيشن تحت شروط ألا تحمل اللعبة رسوماً تتحرك- ذات أرواح!!رغم أن البلاي ستيشن في الغالب يحتاج إلي رسوم تتحرك وإلي تلفاز!!الشيخ ياسر يبدو لي عظيماً حين يتحدث عن الدين وأمور كالتوحيد وإخلاص النية..لكن لم لا يبدو كذلك حين يتحدث عن أمور الدنيا.. فتبدو الدنيا علي يديه مكاناً غير منطقي لممارسة الحياة!!لماذا يكره المتصوف والمسيحي والشيعي وكرة القدم وحلاوة المولد!!لماذا لا يتيح لغيره مقعداً يرضي عنه الله..لا أصدق أن الله وهبه وحده.. مفتاح الحياة!!

«البحر غضبان ما بيضحكش»

في خريف البطريرك لماركيز.. قسم الديكتاتور البحر وباعه إلي المستعمر..كانت خطاياه قاسية.. وبلا محاولات للتوبة!!لكن تلك الخطية كانت الكبري في حياته.. الذنب الوحيد الذي ظل يؤرقه طيلة حياته.. حالماً بتكفيره.. وأن يعيد البحر إلي شعبه!!فالبحر كالسماء.. وطن الجميع.. وكالصلاة.. حيث الكل في حضرته سواسية ولا حضور إلا لجبروته!!بحر الإسكندرية قسم إلي مربعات.. وشواطئه إلي درجات.. ورواده إلي VIP.. ومواطنين بلا صلاحيات تؤهلهم للسباحة في شاطئ نظيف!!

«الإسكندرية.. لا ترحب بكم»

لا يكره السكندري الغريب.. يكره فقط من لا يحترم هواء مدينته.. خصوصاً القادمين إليها في رحلات الصيف.. لأنه لا يحب من يعامل مدينته كعاهرة..يكره القادمين بحلل المحشي كما يكره سيارات الأغنياء التي تدهس بقدميها كل شيء وتستحل كل شيء..تعال إلي المدينة.. وكن علي قدر جمالها!!لكنه الآن.. صار في قسوتهم علي مدينته.. صار ينتظرهم كي يبتزهم ويسرقهم.. كي يبيع لهم هواء مدينته في زجاجات.. هو محاصر ومطحون من الحكومة في رزقه.. ومطعون في كرامته من الذين لم يروا في مدينته سوي مساحة لممارسة النزق المحرم عليهم في مدنهم!!

«حرب الحلاوة»

في خطبة الجمعة..كان مولد النبي قد اقترب.. يحب المصريون رسولهم.. يشكلون فرحهم به إلي أشياء جميلة.. كعروسة مولد.يصنعون من محبة الدين.. رسائل تقول: إن الرسل والأولياء هم بهجتنا في الدنيا والآخرة.. حب في بساطة وصدق حلاوة الموسم.قرر الشيخ بلحيته الشائكة وموقعه العالي.. محاربة الحلاوة.. لم يقل حرفاً عن عظمة النبي واتساع قلبه لرسائل محبيه ولكنه تحدث كثيراً عن حرمانية حلاوة الموسم!!قاومت ذلك بالشرود!!أما المكوجي البسيط فتحدث مع شيخ الجامع بعد انتهاء الصلاة عن تفاهة الخطبة.. وعن محبته للرسول ولحلاوة الموسم.. بل قام بنفسه بتوزيع السمسمية والحمصية والنوجا علي رواد الجامع فقد علمه رسولنا الكريم أن من رأي منكراً فعليه أن يغيره بقلبه أو بلسانه أو بيده.. علمه رسولنا أن حبنا للحياة.. حق.>

«صليب علي كل ورقة»

المسيحيون منعزلون.. وليسوا معزولين يغلقون أبوابهم علي قلوبهم..يفرحون بلا اختلاط.. يبكون دون أن يراهم أحد!!في الكلية.. كانوا يكتبون ملخصاتهم لأنفسهم.. وكانوا يصرون علي شارة الصليب في كل ورقة.. ومقتطفات من الإنجيل!!تلك الملخصات لا تجد طريقها إلي المسلمين إلا صدفة.. هم أيضاً.. لا يشعرون بمصريتهم قدر شعورهم بمسيحيتهم..نحن لا نعلم عنهم شيئاً.. سوي إشارات عابرة.. تمنح المسلمين فرصة تكوين الأساطير عن الأساقفة الذين يدينون بالإسلام سراً.. وعلي المسيحيين كارهي الإسلام.. الذين يحفظون قرآنك بمنطق اعرف عدوك!!نظرية المواطنة.. فكرة النخبة.. وليست فكرة الناس!!.
«الهلال مع الصليب.. اشتروا مربي وحليب"

»في الصف الثالث الثانوي.. فصل 3/14.تصادف أن المسيحيين كان عددهم كبيراً.. أكبر من المسلمين.. كنا أقلية!!مما سبب الرعب لناظر المدرسة..فتح الباب لأي طالب للدخول من أي فصل آخر والالتحاق بهذا الفصل.. حتي صار العدد مساوياً لعدد المسيحيين!!فصار الفصل خليطاً عجيباً من علمي علوم وعلمي رياضة وأدبي.. فكان بعضنا يخرج هائماً إلي الحوش في حصة التاريخ أو حصة الرياضة!!في انتخابات الفصل دشن الطرفان أسلحتهم.. فاز المسيحيون بأمانة أربع لجان لأنهم الأقدم في الفصل!!أما اللجنة الدينية والثقافية.. فكان الصراع عليها شديداً.. حشد المسلمون أصواتهم ورائي.. ففزت بها!!وعند انتخابات أمين الفصل.. كنت المسلم الوحيد أمام أربعة مسيحيين.. لم أكن الأفضل.. لكني فزت.. لأن المسيحيين فرقوا أصواتهم علي بعضهم البعض!!مع الوقت.. ذابت تلك الحساسيات..فاز فريقنا بكأس المدرسة بتشكيلة من أمهر اللاعبين.. لم ننظر وقتها إلي ديانة..كان فصل 3/14 وطناً مثالياً.. أما ناظر المدرسة فظل مرعوباً.. وحده الناظر من كان يذكرنا بخطبه عن التسامح أننا نحمل ديانتين!!

«ماء الرب»

الجزويت.. واحد من آخر جيوب المقاومة بالإسكندرية..رغم كونه مؤسسة دينية.. فإن طائفة «اليسوعيين» يؤمنون بالفن كسبيل لنشر نور الله.. وبالوعي في مواجهة ضيق العقل.. عرفنا علي يديهم وجيه عزيز والطنبورة والحكواتي وحازم شاهين قبل أن يصيروا مشاعاً..شاهدنا أفلاماً جيدة وعروضاً لا تنسي..ذلك لأن الأب فايز لم ينس قبل موته أن يحيي المكان ويحيله إلي بقعة نور.. علي باب الجزويت كولدير به ماء مثلج.. كان الشرب منه واحداً من طقوسنا عند دخول المكان.. كنا نسميه ماء الربالجزويت في الإسكندرية.. هو بالفعل.. ماء الرب في مواجهة جدب الناس وتصحر العقول..الفاتحة للأب فايز..

Posted by Zeryab at 5:01 PM



21 Comments

  1. Blogger 4thH posted at 11:03 PM  
    الكولدير مش شغال يااحمد .. فعلا كان من احلى الحتت اللي ممكن تشرب منها ميه في الشارع في اسكندريه .. من اسبوع رحتشان اشرب لاقيته بايظ
    ..
    غير كده الف شكر ع التدوينة دي
  2. Blogger بنت القمر posted at 12:23 PM  
    super post
    تدوينه شجيه
    تحياتي
  3. Blogger WaNSaN posted at 4:28 PM  
    تحياتي علي هذه الروح الجميلة ... ما اشد الحاجة اليها في هذه الايام ... انا اسكندراني عايش في كليوباترة و قبلها العجمي وحاسس و شايف كل اللي انتا بتقولة و تقصده من الجزويت لوجيه عزيز و اسكندريللا و المسرح و اسكندرية الجميلة اللي للاسف الشديد يتم تدميرها الان و ازالة كل جميل صنعه عبد السلام المحجوب "الله يباركله" ... دلوئتي الجزويت باظ و الشوارع اصبحت سخيفة بعد وضع الاعمدة الخضراء زات الزوق الفاسد حتي الكولدير بتاع المية الساقعة ... تحياتي مرة اخري و هتلاقيني في التعليقات كتير من هنا و رايح ... سلام
  4. Blogger 3rby posted at 1:19 PM  
    فاكر اخر مرة جيت اسكندرية
    لقيت كلمات مكتوبة علي عمارة بخط مغطي العمارة (تعالوا نصيف كلنا في طاعة ربنا:غض البصر، الصلاة، الصوم)
    امال نصيف ازاي
    فاكر ازاي بكيت لما قريت عن ردم جزء من المينا الللي تحتيها المنارة وبقايا حروب البطالمة البحرية

    الفاتحة عالاب فايز
  5. Blogger citizenragab posted at 2:16 AM  
    سعيد بمعرفة "موهوب بلا ضمير " مثلك
    حزين لاغلاق الكولدير
  6. Blogger Mostafa posted at 1:46 AM  
    انا مصطفى بيومى مواطن سكندرى شغال فى القاهرة
    بجد الف شكر على المدونةالرائعة
    بفضل طول الاسبوع زهقان لغايه لما ارجع اسكندرية يوم الجمعة ببقى طاير من الفرحة باخد اسكندرية فى حضنى احييه على كوبرى ستانلى
    و لا القعدة على الصخور و تتفرج على منظر البحر اللى عند القلعة بعد منتصف الليل
    و جيلاتى الصعيدى عند ابو العباس ولا الاوتوبيس ابو ربع جنيه اللى كنت بركبه انا و صحابى من بحرى لغايه جليم و نرجع مشى من جليم لبحرى
    بقالى سنين مركبتهوش
    تقريبا اتلغى و القعدة على رصيف الكورنيش قدام قهوة فاروق و محطة مصر و القهوة العاليه ذات السلالم اللى عمرى ما قعدت عليها بس بتبقى اخر حاجة بشوفها قبل ما اسافر ياه غربه و كبدة الفلاح و حودة جوندل بتاع السمك و قهوة الهندى و حجر المعسل التوباك اللى يقطع النفس
    و لا السوق اللى ورا محكمه الحقانيه فى المنشيه تمشى فى الشارع دة تعمل شوبنج رهيب ولا كأنك كنت بتشترى من كارفور ياه ذكريات ذكريات انا فعلا بقالى سنتين شغال فى القاهرة بس مش عارف اتكييف على الوضع دة مش قادر انسى اسكندرية ولا عارف استمتع باى حاجة غير اسكندرية ببقى بحلم بيوم الخميس انه يجى امتى من يوم السبت احلى سلام لمحبى اسكندرية
  7. Blogger qwert anime posted at 3:38 AM  
    مدونة جميلة
    زى اسكندرية و جمالها و حلاوتها
    انا قاهى و بحب اسكندرية اوى
    و خصوصا فى الشتا
  8. Blogger Eltekeya posted at 8:56 PM  
    El tadwina dih 3abkareya.. Ya rab el nas tefham bass!!
  9. Blogger Pianist posted at 1:30 PM  
    اسكندرية حاليا بتتعرض للقصف
  10. Blogger استراحة محمد posted at 10:32 AM  
    مدونتك رائعة بجد .. وقلمك من احسن اقلام المدونيين اللى مريت عليهم .. بحترم دماغك العليا وتحية من عقلى لعقلك
    اتمنى زيارة مدونتى
    estraha.blogspot.com
  11. Blogger ٌRonin posted at 4:37 PM  
    رائعة كالعادة احييك
    حسيت بروح الاسكندرانى فيها
    شكرا على التدونية الرائعة دة وفى انتظار انكوا تكتروا الانتاج شوية -حرام مرة كل شهر
  12. Blogger ظل الشمس posted at 5:45 PM  
    بحبها زى ما نات بتكتب عنها وزى ما كلكم بتكتبوا عنها
    ينفع اكتب عنها انا كمان
    انا منها وبعشقها وباشوفها بعيونى انا مش بعيون حد تانى
    هاكتب عنها وعن فلمنج والمندره وفيكتوريا وكل الحتت اللى اتربيت وكبرت فيها
    حقها علياانى اكتب عنها زيكوا
  13. Blogger GAMA-lone posted at 12:02 PM  
    أحا يا عم أنا هعيط ....
    انت فيه ايه ؟؟
  14. Blogger هبه الاسكندرانيه posted at 4:36 AM  
    بوست اكتر من رائع ..تسلم عيونك اللى شافت و قلبك اللى حس و عقلك اللى فكر و صوابعك اللى كتبت
    تحياتى يا اسكندرانى
  15. Blogger صبري سراج posted at 4:34 AM  
    مش عارف إزاي مشفتش مدونتك دي قبل كده.. ده تقصير مني وجاء على دماغي.. أنا الآن من قراءك الدائمين يا اسكندراني .. بحبك وبحب اسكندرية.. اللي مضايقني بس ان البوست ده من شهر 2 يعني انت غايب عن المدونة بقالك كتير.. ارجع بقى وخليك حلو:d
  16. Blogger مصطفى فتحي posted at 7:37 AM  
    ايوة زي ما صبري قال

    ارجع بأة وخليك حلو
  17. Blogger Unknown posted at 5:11 AM  
    أنااسكندراني و باكتب شعر و باشتغل مسرح ..عشان كده حاسس بكل كلمة قلتها بس صدقني الأزمة مش في اسكندرية بس..الأزمة دي موجوده في كل حته في البلد..تشويه كل حاجة جميلة أصبح موضه في عصر معدوم القيم و المبادئ و النظام
    في فيلم ثقافي قال لهم برايز..دي منظومة يا بهايم
    انها حقا منظومة
    عموما ألف شكر على التدوينة
  18. Blogger على باب الله posted at 12:01 AM  
    تدوينة جميلة بشكل وحش
  19. Blogger Waan posted at 9:00 PM  
    kl el klma dah sa7
    w ab2a a2blk fe el jzweet isa
  20. Blogger FATMA posted at 2:22 PM  
    بوست اكتر من رائع يا احمد
    :)))
  21. Blogger Unknown posted at 12:05 PM  
    أنا مش إسكندرانى بس مش عشاق إسكندرية الحقيقية
    وعشان كده الكلام ده عجبنى أوى

    تحياتى

Post a Comment

« Home